محمد رسول الله
ونشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله أرسله إلى الجن والإنس ، والعرب والعجم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
وأنه بلّغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة ، وكشف الغمة ، وجاهد في الله حق جهاده ، وأنه صادق أمين ، مؤيد بالبراهين الصادقة والمعجزات الخارقة ، وأن الله فرض على العباد تصديقه وطاعته واتباعه ، وأنه لا يُقبل إيمان عبدٍ – وإن آمن به سبحانه – حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وبجميع ما جاء به ، و أخبر عنه من أمور الدنيا والآخرة والبرزخ .
ومن ذلك أن يؤمن بسؤال منكر ونكير للموتى عن التوحيد والدين والنبوة ، وأن يؤمن بنعيم القبر لأهل الطاعة وبعذابه لأهل المعصية ، وأن يؤمن بالبعث بعد الموت ، وبحشر الأجساد والأرواح إلى الله ، وبالوقوف بين يدي الله ، وبالحساب وأن العباد يتفاوتون فيه إلى مُسامح ومُناقش ، وإلى من يدخل الجنة بغير حساب ، وأن يؤمن بالميزان الذي توزن فيه الحسنات والسيئات وبالصراط وهو جسر ممدود على متن جهنم ، وبحوض نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وماؤه من الجنة .
وأن يؤمن بشفاعة الأنبياء عليهم السلام ثم الصّدّيقين والشهداء والعُلماء والصالحين والمؤمنين ، وأن الشفاعة العظمى مخصوصة بسيدنا محمد صلّى الله عليه وسلّم وهي التي تكون في فصل القضاء وإلاّ فإن له صلّى الله عليه وسلّم شفاعات أُخر .
وأن يؤمن بإخراج من دخل النار من أهل التوحيد حتى لا يَخْلُد فيها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، قال تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وأن أهل الكفر والشرك مُخلّدون في النار أبد الآبدين ( لا يُخفّف عنهم العذاب ولا هم يُنظرون ) وأن المؤمنين مخلّدون في الجنة أبداً سرمداً ( لا يمسُّهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين )
وأن المؤمنين يرون ربهم في الجنة بأبصارهم على ما يليق بجلاله وقدس كماله .
ويجب على العبد أن يعتقد فضل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأنهم عُدول خيار أُمناء ، ولا يجوز سبهم ولا القدح في أحد منهم ، وأن الخليفة الحق بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ( أبو بكر الصدّيق ) ثم ( عمر بن الخطّاب ) ثم ( عثمان الشهيد ) ثم ( علي المرتضى ) رضىالله عنهم أجمعين وعن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أجمعين ، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنّا معهم برحمتك اللهم يا أرحم الراحمين .
سيد ولد آدم محمد رسول الله :
اعلم أننا نعتقد اعتقاداً جازماً فيه صلى الله عليه وسلم وهو الاعتقاد الموافق للواقع بأنه سيد عبيد الله على الإطلاق ، وأقرب الوسائل إليه تعالى في مدة حياته ويوم القيامة التي تظهر فيه سيادته صلى الله عليه وسلم على النبيين والخلق أجمعين حتى يكون صاحب الشفاعة العظمى والمنـزلة الزلفى ، وحامل لواء الحمد تحته آدم عليه السلام فمن دونه ، وكل الأنبياء يقر له بهذه السيادة حين يمنحها الله تعالى في ذلك اليوم على الأولين والآخرين والخلق أجمعين ، وقد جاء ذلك صريحاً في حديث البخاري ومسلم وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا سيد الناس يوم القيامة ) إلى آخر حديث الشفاعة المذكور فيه التجاء الناس لسادات الأنبياء فيعتذر كل واحد منهم ويحيل على مَنْ بعده إلى أن يحيلهم سيدنا عيسى عليه السلام على الحبيب الأعظم صلى الله عليه وسلم فيقبلهم ويقول لهم ( أنا لها ، أنا لها ) ويشفع فيُشفعه الله تعالى فيهم ، وكان يمكن أن يأتيه الناس أولاً ولكن الله تعالى ألهمهم الذهاب إلى سادات الرسل أولاً حتى يظهر فضله صلى الله عليه وسلم عليهم وأنه سيد الخلق على الإطلاق وأحب الرسل إلى الملك الخلاّق ، وهذا المعنى وإن لم يعلمه بالتفصيل على هذا الوجه كثير من عوام المسلمين ، إلاّ أنهم يعلمون يقيناً أنه صلى الله عليه وسلم بالإجمال هو سيد الخلق على الإطلاق في الدنيا والآخرة ، وأنه مقبول الشفاعة عند الله تعالى في الدنيا والآخرة ، ويتوسلون به إليه عزوجل ليبلغهم مناهم في دنياهم وأخراهم ، فقد شاركوا في هذا المعنى أعلم العلماء واستوى في علم ذلك الرجال والنساء ، ويربون أولادهم على هذا الاعتقاد الصحيح والإيمان الصريح ، فلا يبلغ الولد سن التمييز إلاّ ويشاركهم في هذا العلم في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلما كبر يزداد ذلك رسوخاً في قلبه ونمواً بقدر ما قدر الله تعالى له من الهداية والتوفيق
قل إنما أنا بشر
ونعتقد أنه صلى الله عليه وسلم بشر يجوز عليه ما يجوز على غيره من البشر من حصول الأعراض والأمراض التي لا توجب النقص والتنفير ، كما قال صاحب العقيدة
وجائز في حقهم من عرض بغير نقص كخفيف المرض
وأنه صلى الله عليه وسلم عبد لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، قال تعالى :) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلاّ ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلاّ نذير وبشير لقوم يؤمنون (
وأنه صلى الله عليه وسلم قد أدى الرسالة وبلغ الأمانة ونصح الأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين فانتقل إلى جوار ربه راضيا مرضيا ، قال تعالى : ) إنك ميت وإنهم ميتون ( ، و قال تعالى: ) وما جعلنا لبـشـر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون (
والعبودية هي أشرف صفاته صلى الله عليه وسلم ولذلك فإنه يفتخر بها ويقول : (إنما أنا عبد) ووصفه الله تعالى بها في أعلى مقام فقال : ) سبحان الذي أسرى بـعبده ( وقال : ) وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا ( .
والبشرية هي عين إعجازه فهو بشر من جنس البشر لكنه متميز عنهم بما لا يلحقه به أحد منهم أو يساويه كما قال صلى الله عليه وسلم عن نفسه ( إني لست كهيئتكم ، إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) وبهذا ظهر أن وصفه صلى الله عليه وسلم بالبشرية يجب أن يقترن بما يميزه عن عامة البشر من ذكر خصائصه الفريدة ومناقبه الحميدة ، وهذا ليس خاصاً به صلى الله عليه وسلم بل هو عام في حق جميع رسل الله سبحانه وتعالى لتكون نظرتنا إليهم لائقة بمقامهم وذلك لأن ملاحظة البشرية العادية المجردة فيهم دون غيرها هي نظرة جاهلية شركية وفي القرآن شواهد كثيرة على ذلك ، فمن ذلك قول قوم نوح في حقه فيما حكاه الله عنهم إذ قال : ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلاّ بشرا مثلنا ) ، ومن ذلك قول فرعون وملائه في حقّ موسى وهارون فيما حكاه الله عنهم إذ قال : ( فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) .
ومن ذلك قول ثمود لنبيهم صالح فيما حكاه الله عنهم بقوله : ( ما أنت إلاّ بشر مثلنا فأتِ بآية إن كنت من الصادقين) ، ومن ذلك قول أصحاب الأيكة لنبيهم شعيب فيما حكاه الله عنهم بقوله : (قالوآ إنمآ أنت من المسحَّرين . ومآ أنت إلاّ بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين) ، ومن ذلك قول المشركين في حقّ سيدنا محمد صلّىالله عليه وسلّم وقد رأوه بعين البشرية المجردة فيما حكاه الله عنهم بقوله : ( وقالوا مالِ هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) .
ولقد تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نفسه حديث الصدق بما أكرمه الله تعالى به من عظيم الصفات وخوارق العادات التي تميز بها عن سائر أنواع البشر ، فمن ذلك ما جاء في الحديث الصحيح أنه قال : ( تنام عيناي ولا ينام قلبي ) ، وجاء في الصحيح أنه قال : ( إني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي ) ، وجاء في الصحيح أنه قال : ( أوتيت مفاتيح خزائن الأرض ) وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان قد مات إلاّ أنه حي حياة برزخية كاملة ، يسمع الكلام ويرد السلام وتبلغه صلاة من يصلي عليه ، وأن الله حرّم على الأرض أن تأكل جسده فهو محفوظ من الآفات والعوارض الأرضية ، وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه قُبض وفيه النفخة وفيه الصعقة ، فأكثروا عليَّ من الصـلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قالوا : يارسول الله وكيف تعرض صلاتنا وقد أرمت – يعني بليت – ؟ فقال : إن الله عزوجل حرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) رواه أحمد وابن ماجه أبو داود وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه وفي ذلك رسالة خاصة للحافظ جلال الدين السيوطي أسماها ( إنباء الأذكياء بحياة الأنبياء ) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أحد يسلم عليَّ إلاّ رد الله إليَّ روحي حتى أرد السلام ) رواه أحمد وأبو داود ، وعن عماربن ياسررضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وكل بقبري ملكا أعطاه الله أسماء الخلائق ، فلا يصلي عليَّ أحد إلى يوم القيامة إلاّ أبلغني باسمه واسم أبيه ، هذا فلان بن فلان قد صلى عليك ) رواه البزار وأبو الشيخ وابن حبان ولفظه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ان الله تبارك وتعالى وكل ملكا أعطاه أسماء الخلائق ، فهو قائم على قبري إذا مت ، فليس أحد يصلي عليَّ صلاة إلا قال : يا محمد صلى عليك فلان بن فلان ، قال : فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك الرجل بكل واحدة عشرا ) رواه الطبراني في الكبير بنحوه .
وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان قد مات إلاّ أن فضله ومقامه وجاهه عند ربه باق لاشك في ذلك ، ولاريب عند أهل الإيمان أنه صلى الله عليه وسلم مهما عظمت درجته وعلت مرتبته فهو مخلوق لايضـر ولا ينفع من دون الله إلاّ بإذنه ، قال تعالى : )قل إنما بشر مثلكم يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد
No comments:
Post a Comment