(وأما الوتر فهو سنة لما روى أبو أيوب الانصاري رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " الوتر حق وليس بواجب فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب ان يوتر بثلاث فليفعل ومن احب ان يوتر بواحدة فليفعل " واكثره إحدى عشرة ركعة لما روت عائشة رضي الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم " كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة يوتر فيها بواحدة " واقله ركعة لما ذكرناه من حديث ابي ايوب وادني الكمال ثلاث ركعات يقرأ في الاولى بعد الفاتحة (سبح اسم ربك الاعلي) وفى الثانية (قل يا ايها الكافرون) وفى الثالثة (قل هو الله احد) (والمعوذتين) لما روت عائشة رضى الله عنها ان النبي صلي الله عليه وسلم قرأ ذلك والسنة لمن أوتر بما زاد على ركعة أن يسلم من كل ركعتين لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يفصل بين الشفع والوتر ولانه يجهر في الثالثة ولو كانت موصولة بالركعتين لما جهر فيها كالثالثة من المغرب ويجوز أن يجمعها بتسليمة لما روت عائشة رضى الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم كان لا يسلم في ركعتي الوتر والسنة أن يقنت في الوتر في النصف الاخير من شهر
[ 12 ]
رمضان لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال السنة إذا انتصف الشهر من رمضان أن تلعن الكفرة في الوتر بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ثم يقول اللهم قاتل الكفرة وقال أبو عبد الله الزبيري يقنت في جميع السنة لما روى أبى بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات ويقنت قبل الركوع والمذهب الاول وحديث أبى بن كعب غير ثابت عند أهل النقل ومحل القنوت في الوتر بعد الرفع من الركوع ومن أصحابنا من قال محله في الوتر قبل الركوع لحديث أبى بن كعب والصحيح هو الاول لما ذكرت من حديث عمر رضي الله عنه ولانه في الصبح يقنت بعد الركوع فكذلك الوتر ووقت الوتر ما بين أن يصلي العشاء إلى طلوع الفجر الثاني لقوله عليه الصلاة والسلام إن الله تعالي زادكم صلاة وهى الوتر فصلوها من صلاة العشاء إلي طلوع الفجر فان كان ممن له تهجد فالاولى أن يؤخره حتى يصليه بعد التهجد وإن لم يكن له تهجد فالاولي أن يصليه بعد سنة العشاء لما روي جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من خاف منكم أن لا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أول الليل ثم ليرقد ومن طمع منكم أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخر الليل) * (الشرح) الوتر سنة عندنا بلا خلاف واقله ركعة بلا خلاف وادني كماله ثلاث ركعات واكمل منه خمس ثم سبع ثم تسع ثم احدى عشرة وهى اكثره على المشهور في المذهب وبه قطع المصنف والاكثرون وفيه وجه ان اكثره ثلاث عشرة حكاه جماعة من الخراسانيين وجاءت فيه احاديث صحيحة ومن قال باحدى عشرة بتأولها على ان الراوى حسب معها سنة العشاء ولو زاد على ثلاثة عشرة لم يجز ولم يصح وتره عند الجمهور وفيه وجه حكاه امام الحرمين وغيره انه يجوز لان النبي صلي الله عليه وسلم فعله على اوجه من اعداد من الركعات فدل علي عدم انحصاره وأجاب الجمهور عن هذا بان اختلاف الاعداد انما هو فيما لم يجاوز ثلاثة عشرة ولم ينقل مجاوزتها فدل علي امتناعها والخلاف شبيه بالخلاف في جواز القصر فيما زاد علي اقامة ثمانية عشر يوما وفى جواز الزيادة علي انتظارين في صلاة الخوف وإذا أوتر باحدى عشرة فما دونها فالافضل ان يسلم من كل ركعتين للاحاديث الصحيحة التى سأذكرها ان شاء الله تعالي في فرع مذاهب العلماء فان أراد جمعها بتشهد واحد في آخرها كلها جاز وان أرادها بتشهدين وسلام واحد يجلس في الآخرة والتى قبلها جاز وحكي الفوراني وامام الحرمين وجها انه لا يجوز بتشهدين بل يشترط الاقتصار على تشهد واحد وحمل هذا القائل الاحاديث الواردة بتشهدين علي أنه كان يسلم في كل تشهد قال الامام وهذا الوجه ردئ لا تعويل عليه وحكي الرافعى وجها عكسه
[ 13 ]
أنه لا يجزئ الاقتصار على تشهد واحد وهذان الوجهان غلط والاحاديث الصحيحة مصرحة بابطالهما والصواب جواز ذلك كله كما قدمناه ولكن (1) الافضل تشهد ام تشهدان ام هما معافى الفضيلة: فيه ثلاثة أوجه واختار الرويانى تشهدا فقط اما إذا زاد على تشهدين وجلس في كل ركعتين واقتصر على السلام في الآخرة فوجهان حكاهما الرافعي وغيره أحدهما يجوز ويصح وتره كما لو صلي نافلة مطلقة بتشهدات وسلام واحد فانه يجوز على المذهب الصحيح كما سنذكره قريبا ان شاء الله تعالي والثاني وهو الصحيح لا يجوز ذلك لانه خلاف المنقول عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وبهذا قطع امام الحرمين وغيره قال الامام والفرق بينه وبين النوافل المطلقة أن النوافل المطلقة لا حصر لركعاتها وتشهداتها بخلاف الوتر وإذا أراد الاتيان بثلاث ركعات ففى الافضل اوجه الصحيح ان الافضل أن يصليها مفصولة بسلامين لكثرة الاحاديث الصحيحة فيه ولكثرة العبادات فانه تتجدد النية ودعاء التوجه والدعاء في آخر الصلاة والسلام وغير ذلك والثاني ان وصلها بتسليمة واحدة أفضل قاله الشيخ أبو زيد المروزى للخروج من الخلاف فان ابا حنيفة رحمه الله لا يصحح المفصولة والثالث ان كان منفردا فالفصل أفضل وان كان اماما فالوصل حتى تصح صلاته لكل المقتدين والرابع عكسه حكاه الرافعي وهل الثلاث الموصولة أفضل أم ركعة فردة فيه اوجه حكاها امام الحرمين وغيره الصحيح ان الثلاث افضل وبه قال القفال والثانى الفردة افضل قال امام الحرمين وغلا هذا القائل فقال الركعة الفردة افضل من احدي عشرة موصولة والثالث ان كان منفردا فالفردة افضل وان كان اماما فالثلاث الموصولة أفضل ثم ان الخلاف في التفضيل بين الفصل والوصل انما هو في الوصل بثلاث اما الوصل بزيادة على ثلاث فالفصل افضل منه بلا خلاف ذكره امام الحرمين والله اعلم ثم أن أوتر بركعة نوى بها الوتر وان اوتر باكثر واقتصر علي تسليمة نوى الوتر ايضا وإذا فصل الركعتان بالسلام وسلم من كل ركعتين نوى بكل ركعتين ركعتين من الوتر هذا هو المختار وله ان ينوى غير هذا مما سبق بيانه في أول صفة الصلاة * (فرع) في وقت الوتر اما أوله ففيه ثلاثة أوجه الصحيح المشهور الذى قطع به المصنف والجمهور انه يدخل بفراغه من فريضة العشاء سواء صلي بينه وبين العشاء نافلة ام لا سواء اوتر بركعة ام باكثر فان أوتر قبل فعل العشاء لم يصح وتره سواء تعمده ام سها وظن أنه صلي العشاء ام ظن جوازه وكذا لو صلي العشاء ظانا أنه تطهر ثم احدث فتوضأ فأوتر فبان انه كان محدثا في العشاء فوتره باطل والوجه الثاني يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء وله أن يصليه قبلها حكاه امام الحرمين
(1) كذا بالاصل ولعل اداة الاستفهام سقطت من الناسخ *
[ 14 ]
وآخرون وقطع به القاضى أبو الطيب قالوا سواء تعمد ام سها والثالث انه إن أوتر باكثر من ركعة دخل وقته بفعل العشاء وان أوتر بركعة فشرط صحتها أن يتقدمها نافلة بعد فريضة العشاء فأن أوتر بركعة قبل ان يتقدمها نفل لم يصح وتره وقال امام الحرمين ويكون تطوعا قال الرافعي ينبغي ان يكون في صحتها نفلا وبطلانها بالكلية الخلاف السابق فيمن احرم بالظهر قبل الزوال * وأما آخر وقت الوتر فالصحيح الذى قطع به المصنف والجمهور انه يمتد الي طلوع الفجر ويخرج وقته بطلوع الفجر وحكى المتولي قولا للشافعي انه يمتد الي ان يصلى فريضة الصبح وأما الوقت المستحب للاتيار فقطع المنصف والجمهور بان الافضل ان يكون الوتر آخر صلاة الليل فان كان لا يتهجد استحب أن يوتر بعد فريضة العشاء وسنتها في أول الليل وان كان له تهجد فالافضل تأخير الوتر ليفعله بعد التهجد ويقع وتره آخر صلاة الليل وقال امام الحرمين والغزالي تقديم الوتر في أول الليل أفضل وهذا خلاف ما قاله غيرهما من الاصحاب قال الرافعى يجوز أن يحمل نفلهما علي من لا يعتاد قيام الليل ويجوز ان يحمل علي اختلاف قول والامر فيه قريب وكل سائغ (قلت) والصواب التفصيل الذى سبق وانه يستحب لمن له تهجد تأخير الوتر ويستحب أيضا لمن لم يكن له تهجد ووثق باستيقاظه أواخر الليل اما بنفسه واما بايقاظ غيره ان يؤخر الوتر ليفعله آخر الليل لحديث عائشة رضى الله عنها قالت كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلى من الليل فأذا بقي الوتر أيقظني فأوترت رواه مسلم وفى رواية له فإذا أوتر قال قومي فأوترى يا عائشة ودليل استحباب الايتار آخر الليل أحاديث كثيرة في الصحيح منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلي الله عليه وسلم من أوله وآخره وانتهى وتره الي السحر " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " رواه البخاري ومسلم وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " بادروا الصبح بالوتر " رواه مسلم وعن جابر رضى الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خاف الا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل " رواه مسلم بلفظه وهذا صريح فيما ذكرناه أولا من التفصيل ولا معدل عنه وأما حديث ابي الدرداء وابي هريرة رضى الله عنهما " أوصاني خليلي بثلاث لا ادعهن
[ 15 ]
حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحي وألا انام الا علي وتر رواهما مسلم وروى البخاري حديث أبى هريرة فمحمولان علي من لا يثق بالقيام آخر الليل وهذا التأويل متعين ليجمع بينه وبين حديث جابر وغيره من الاحاديث السابقة من قوله صلي الله عليه وسلم وفعله والله أعلم * (فرع) إذا اوتر قبل أن ينام ثم قام وتهجد لم ينقض الوتر علي الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور بل يتهجد بما تيسر له شفعا وفيه وجه حكاه امام الحرمين وغيره من الخراسانيين انه يصلى من أول قيامه ركعة يشفعه ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيا ويسمى هذا نقض الوتر والمذهب الاول لحديث طلق بن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا وتران في ليلة رواه أبو داود والترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن * (فرع) إذا استحببنا الجماعة في التراويح استحبت الجماعة أيضا في الوتر بعدها باتفاق الاصحاب فان كان له تهجد لم يوتر معهم بل يؤخره إلى آخر الليل كما سبق فان أراد الصلاة معهم صلي نافلة مطلقة وأوتر آخر الليل وأما في غير رمضان فالمشهور أنه لا يستحب فيه الجماعة وحكى الرافعي عن حكاية أبى الفضل بن عبدان وجهين في استحبابها فيه مطلقا والمذهب الاول: والمذهب ان السنة أن يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الوتر في النصف الاخير من شهر رمضان هذا هو المشهور في المذهب ونص عليه الشافعي رحمه الله وفى وجه يستحب في جميع شهر رمضان وهو مذهب مالك ووجه ثالث أنه يستحب في الوتر في جميع السنة وهو قول أربعة من كبار أصحابنا أي عبد الله الزبيري وأبى الوليد النيسابوري وإبي الفضل بن عبدان وأبي منصور بن مهران وهذا الوجه قوى في الدليل لحديث الحسن ابن على رضي الله عنهما السابق في القنوت ولكن المشهور في المذهب ما سبق وبه قال جمهور الاصحاب قال الرافعي وظاهر كلام الشافعي رحمه الله كراهة القنوت في غير النصف الآخر من رمضان قال ولو ترك القنوت في موضع استحبه سجد للسهو ولو قنت حيث لا يستحبه سجد للسهو وحكى الرويانى وجها أنه يقنت في جميع السنة بلا كراهة ولا يسجد للسهو لتركه من غير النصف الآخر من رمضان قال وهذا حسن وهو اختيار مشايخ طبرستان * (فرع) في موضع القنوت في الوتر أوجه الصحيح المشهور بعد الركوع ونص عليه الشافعي رحمه الله من حرملة وقطع به الاكثرون وصححه الباقون والثانى قبل الركوع قاله ابن سريج والثالث يتخير بينهما حكاه الرافعي وسيأتى دليل الجميع ان شاء الله تعالي فإذا قلنا يقدمه علي الركوع فالصحيح المشهور
[ 16 ]
أنه يقيت بلا تكبير وفيه وجه أنه يكبر بعد القراءة ثم يقنت ثم يركع مكبرا حكاه الرافعى رحمه الله * (فرع) قال اصحابنا لفظ القنوت هنا كهو في الصبح ولهذا لم يذكره المصنف قالوا ؟ ؟ ؟ باللهم اهدني فيمن هديت وبقنوت عمر رضى الله عنهما وقد سبق بيانهما في صفة الصلاة وهل الافضل تقديم قنوت عمر علي قوله اللهم اهدني أم تأخيره فيه وجها قال الروياني تقديمه أفضل قال وعليه العمل ونقل القاضى أبو الطيب في غير تعليقه عن شيوخهم تأخيره وهذا هو الذى نختاره لان قولهم اللهم اهدني ثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم وهذا آكد واهم فقدم قال الرويانى قال ابن القاص يزيد في القنوت ربنا لا تؤاخذنا الي آخر السورة واستحسنه وهذا الذى قاله غريب ضعيف والمشهور كراهة القراءة في غير القيام * (فرع) حكم الجهر بالقنوت ورفع اليد ومسح الوجه كما سبق في قنوت الصبح * (فرع) قال اصحابنا يستحب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الاولى سبح اسم ربك وفى الثانية قل يا أيها الكافرون وفى الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين واستدلوا له بالحديث الذى ذكره المصنف وسنذكره ان شاء الله تعالى وغيره * (فرع) يستحب أن يقول بعد الوتر ثلاث مرات سبحان الملك القدوس وأن يقول اللهم انى اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك ففيهما حديثان صحيحان في سنن أبي داود وغيره * (فرع) إذا أوتر ثم اراد ان يصلي نافلة أم غيرها في الليل جاز بلا كراهة ولا يعيد الوتر كما سبق ودليله حديث عائشة رضى الله عنها وقد سئلت عن وتر رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت كنا نعدله سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء ان يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن الا في الثامنة فيذكر الله ويمجده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويمجده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد رواه مسلم وهو بعض حديث طويل وهذا الحديث محمول على انه صلي الله عليه وسلم صلي الركعتين بعد الوتر بيانا لجواز الصلاة بعد الوتر ويدل عليه أن الروايات المشهورة في الصحيحين عن عائشة مع رواية خلائق من الصحابة رضي الله عنهم في الصحيحين مصرحة بان آخر صلاة النبي صلي الله عليه وسلم في الليل كانت وترا وفى الصحيحين
[ 17 ]
أحاديث كثيرة بالامر بكون آخر صلاة الليل وترا كقوله صلى الله تعالي عليه وسلم " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وقد تقدم قريبا عن الصحيحين " كقوله صلي الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فاوتر بواحدة " روياه في الصحيحين من رواية ابن عمر رضى الله عنهما فكيف يظن بالنبي صلي الله عليه وسلم مع هذه الاحاديث وأشباهها انه كان يداوم علي ركعتين بعد الوتر وانما معناه ما ذكرناه أولا من بيان الجواز وانما بسطت الكلام في هذا الحديث لانى رأيت بعض الناس يعتقد أنه يستحب صلاة ركعتين بعد الوتر جالسا ويفعل ذلك ويدعو الناس إليه وهذه جهالة وغباوة انسه بالاحاديث الصحيحة وتنوع طرقها وكلام العلماء فيها فاحذر من الاغترار به واعتمد ما ذكرته أولا وبالله التوفيق * (فرع) في بيان الاحاديث المذكورة في الكتاب في فضل الوتر: الاول حديث ابى أيوب رضى الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر حق علي كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل " رواه أبو داود باسناد صحيح بهذا اللفظ ورواه هكذا أيضا الحاكم علي المستدرك وقال حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم وأما الزيادة التي ذكرها المصنف فيه وهي قوله الوتر حق وليس بواجب فغريبة لا اعرف لها اسنادا صحيحا ويغنى عنها ما سأذكره من الادلة علي عدم وجوب الوتر في فرع مذاهب العلماء فيه ان شاء الله تعالى (الثاني) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله تعالي عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدي عشرة يوتر منها بواحدة رواه البخاري ومسلم (الثالث) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر في الاولي سبح اسم ربك وفى الثانية (قل يا أيها الكافرون وفي والثالثة (قل هو الله احد) (والمعوذتين) ورواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية أبى بن كعب راه الترمذي النسائي ابن ماجه من راية بن عباس لكن ليس في روايتهما ذكر المعوذتين وهو ثابت في حديث عائشة كما ذكرناه (الرابع) حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها رواه احمد بن حنبل في مسنده بهذا اللفظ (الخامس) قيل فان كان يعلم حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر رواه النسائي باسناد حسن ورواه البيهقى في السنن الكبيرة
[ 18 ]
باسناد صحيح وقال يشبه أن يكون هذا اختصارا من حديثها في الايتار بتسع يعني حديثها السابق في الفرع قبله (السادس) حديث قنوت عمر بن الخطاب رضى الله عنه رواه أبو داود في سننه من رواية الحسن البصري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس علي أبي بن كعب فكان يصلى لهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم ألا في النصف الباقي فإذا كان العشر الاواخر تخلف فصلي في بيته فكانوا يقولون ابق ابى هذا لفظ أبي داود والبيهقي وهو منقطع لان الحسن لم يدرك عمر بل ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ورواه أبو داود أيضا عن ابن سيرين عن بعض أصحابه أن أبى بن كعب أمهم يعنى في رمضان وكان يقنت في النصف الآخر منه وهذا أيضا ضعيف لانه رواية مجهول (السابع) حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقنت في الوتر قبل الركوع " رواه أبو داود وضعفه وروى البيهقي القنوت في الوتر من رواية ابن مسعود وأبى بن كعب وابن عباس رضى الله عنهم عن النبي صلي الله عليه وسلم وضعفها كلها وبين سبب ضعفها (الثامن) حديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله زادكم صلاة وهى الوتر فصلوها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي من رواية خارجة بن حذافة رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال إن الله قد امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهى الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر هذا لفظ رواية أبي داود وفى رواية الترمذي فيما بين صلاة العشاء الي طلوع الفجر وفى إسناد هذا الحديث ضعف واشار البخاري وغيره من العلماء إلي تضعيفه قال البخاري فيه رجلان لا يعرفان إلا بهذا الحديث ولا يعرف سماع رواية بعضهم من بعض (التاسع) حديث جابر رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال من خاف الا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع الحديث رواه مسلم وقد سبق بيانه * (فرع) في لغات الفاظ الفصل الوتر - بفتح الواو وكسرها - لغتان وأبو أيوب الانصاري إسمه خالد بن زيد شهد بدرا والعقبة والمشاهد كلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم نزل عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قدم المدينة شهرا حتي يثبت امساكنه توفى في الغزو بالقسطنطنينية رضى الله عنه وأما أبى بن كعب فهو أبو المنذر ويقال أبو الطفيل شهد العقبة الثانية وبدرا ومناقبه كثيرة ومن أجلها أن النبي صلي الله عليه وسلم قرأ عليه (لم يكن الذين كفروا) السورة وقال امرني الله تعالي ان اقرأها عليك وحديثه هذا مشهور في الصحيحين توفى بالمدينة سنة تسع عشرة
[ 19 ]
وقيل عشرين وقيل ثنتين وعشرين رضى الله عنه (قوله) الوتر حق أي مشروع مأمور به والتهجد هو الصلاة في الليل بعد النوم * (فرع) في مذاهب العلماء في حكم الوتر مذهبنا أنه ليس بواجب بل هو سنة متأكدة وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم قال القاضي أبو الطيب هو قول العلماء كافة حتى أبو يوسف ومحمد قال وقال أبو حنيفة وحده هو واجب وليس بفرض فان تركه حتى طلع الفجر اثم ولزمه القضاء وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه الوتر سنة مؤكدة ليس بفرض ولا واجب وبه قالت الامة كلها إلا أبا حنيفة فقال هو واجب وعنه رواية انه فرض وخالفه صاحباه فقالا هو سنة قال أبو حامد قال ابن المنذر لا اعلم احدا وافق ابا حنيفة في هذا * واحتج له بحديث أبى ايوب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر حق علي كل مسلم فمن احب ان يوتر بخمس " الخ وهو حديث صحيح كما سبق قريبا وعن علي بن ابى طالب رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " ياهل القرآن أوتروا فان الله وتر يحب الوتر " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن وعن بريدة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " رواه أبو داود وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهى الوتر " وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم " قال اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " رواه البخاري ومسلم وعن ابي سعيد الخدرى رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " أوتروا قبل ان تصبحوا " وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا اوتر قال قومي فأوترى يا عائشة " رواه مسلم وذكروا اقسية ومناسبات لا حاجة إليها مع هذه الاحاديث * واحتج اصحابنا والجمهور بحديث طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه قال جاء رجل من أهل نجد فإذا هو يسأل عن الاسلام فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع وسأله عن الزكاة والصيام وقال في آخره والله لا أزيد علي هذا ولا أنقص فقال النبي صلي الله عليه وسلم أفلح إن صدق " رواه البخاري ومسلم من طرق واستنبط الشيخ أبو حامد وغيره منه أربعة أدلة (أحدها) أن النبي صلي الله عليه وسلم أخبره أن الواجب من الصلوات إنما هو الخمس (الثاني) قوله هل علي غيرها قال لا
[ 20 ]
(الثالث) قوله صلى الله عليه وسلم إلا أن تطوع وهذا تصريح بان الزيادة علي الخمس إنما تكون تطوعا (الرابع) أنه قال لا أزيد ولا انقص فقال النبي صلي الله عليه وسلم أفلح ان صدق وهذا تصريح بأنه لا يأثم بترك غير الخمس وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال ادعهم الي شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أن الله تعالي افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد الي فقرائهم رواه البخاري ومسلم وهذا من أحسن الادلة لان بعث معاذ رضي الله عنه إلي اليمن كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل جدا وعن عبد الله بن محيريز عن رجل من بني كنانة يقال له المخدجي قال كان بالشام رجل يقال له أبو محمد قال الوتر واجب فرحت إلي عبادة - يعنى بن الصامت - فقلت أن أبا محمد يزعم أن الوتر واجب قال كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا جاء وله عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن ضيعهن استخفافا بحقهن جاء ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة هذا حديث صحيح رواه مالك في الموطأ وابو داود والنسائي وغيرهم وعن علي رضى الله عنه قال ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي والنسائي وآخرون قال الترمذي حديث حسن وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال الوتر امر حسن جميل عمل به النبي صلي الله عليه وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب رواه الحاكم وقال صحيح علي شرط البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلى الوتر علي راحلته ولا يصلي عليها المكتوبة " رواه البخاري ومسلم واستدل به الشافعي والاصحاب على ان الوتر ليس بواجب (فان قيل) لا دلالة فيه لان مذهبكم ان الوتر واجب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان سنة في حق الامة فالواجب أن يقال لو كان على العموم لم يصح علي الراحلة كالمكتوبة وكان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز هذا الواجب الخاص عليه علي الراحلة فهذه الاحاديث هي التى يعتمدها في المسألة. واستدل اصحابنا باحاديث كثيرة مشهورة غير ما سبق لكن اكثرها ضعيفة لا استحل الاحتجاج بها فيما ذكرته من الاحاديث الصحيحة ابلغ كفاية ومن الضعيف الذى احتجوا به حديث أبي جناب - بجيم ونون - عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " ثلاث هن علي فرائض
[ 21 ]
وهن لكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحي " رواه البيهقى وقال أبو جناب الكلبي اسمه يحيي بن أبي حيينه ضعيف وهو مدلس وانما ذكرت هذا الحديث لابين ضعفه واحذر من الاغترار به قال اصحابنا ولانها صلاة لا تشرع لها الاذان ولا الاقامة فلم تكن واجبة علي الاعيان كالضحى وغيرها واحترزوا بقولهم علي الاعيان من الجنازة والنذر: واما الاحاديث التى احتجوا بها فمحمولة على الاستحباب والندب المتأكد ولابد من هذا التأويل للجمع بينها وبين الاحاديث التي استدللنا بها فهذا جواب يعمها ويجاب عن بعضها خصوصا بجواب آخر فحديث أبى أيوب لا يقولون به لان فيه فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل وهم يقولون لا يكون الوتر إلا ثلاث ركعات وحديث عمر بن شعيب في إسناد المثنى بن الصباح وهو ضعيف وحديث بريدة في روايته عبيدالله بن عبد الله العتكى أبو المنيب والظاهر انه منفرد به وقد ضعفه البخاري وغيره ووثقه ابن معين وغيره وادعي الحاكم انه حديث صحيح والله أعلم * (فرع) في مذاهبهم في فعل الوتر علي الراحلة في السفر مذهبنا: انه جائز على الراحلة في السفر كسائر النوافل سواء كان له عذر ام لا وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم فمنهم علي بن أبي طالب وأبن عمر وابن عباس وعطاء والثوري ومالك واحمد واسحق وداود وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يجوز الا لعذر * دليلنا حديث ابن عمر ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يوتر علي راحلته في السفر رواه البخاري ومسلم * (فرع) في مذاهبهم في وقت الوتر واستحباب تقديمه وتأخيره: قال ابن المنذر اجمع أهل العلم على ان ما بين صلاة العشاء إلي طلوع الفجر وقت للوتر ثم حكى عن جماعة من السلف أنهم قالوا يمتد وقته إلى أن يصلي الصبح وعن جماعة انهم قالوا يفوت لطلوع الفجر ومن استحب الاتيان اول الليل أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وابو الدرداء وأبو هريرة ورافع بن خديج وعبد الله بن عمرو بن العاص لما أسن رضي الله عنهم وممن استحب تأخيره إلي آخر الليل عمر بن الخطاب وعلى وابن مسعود ومالك والثوري وأصحاب الرأى رضى الله عنهم وهو الصحيح في مذهبنا كما سبق وذكرنا دليله * (فرع) في مذاهبهم في عدد ركعات الوتر: قد سبق ان مذهبنا ان أقله ركعة واكثره احدى عشرة
[ 22 ]
وفى وجه ثلاث عشرة وما بين ذلك جائز وكلما قرب من اكثره كان افضل وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم * وقال أبو حنيفة لا يجوز الوتر الا ثلاث ركعات موصولة بتسليمة واحدة كهيئة المغرب قال لو أوتر بواحدة أو بثلاث بتسليمتين لم يصح ووافقه سفيان الثوري قال اصحابنا لم يقل أحد من العلماء ان الركعة الواحدة لا يصح الا ينار بها غيرهما ومن تابعهما واحتج لهم بحديث محمد بن كعب القرظبى ان النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن البتيراء " وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال الوتر ثلاث كوتر النهار المغرب قال البيهقى هذا صحيح عن ابن مسعود من قوله وروى مرفوعا وهو ضعيف وعن ابن مسعود أيضا ما أجزأت ركعة قط وعن عائشة ان النبي صلي الله عليه وسلم " كان لا يسلم في ركعتي الوتر " رواه النسائي باسناد حسن * واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فاوتر بواحدة " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر أيضا أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قالت " كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم كل ركعتين ويوتر منها بواحدة " رواه البخاري ومسلم وعن ابي أيوب ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوثر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوثر بواحدة فليفعل " حديث صحيح رواه أبو داود باسناده صحيح وصححه الحاكم وسبق بيانه وعن عائشة قالت " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ إلا في آخرها " رواه مسلم وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا توتروا بثلاث اوتروا بخمس أو بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب " رواه الدار قطني وقال اسناده كلهم ثقات والاحاديث في المسألة كثيرة في الصحيح وفيما ذكرته كفاية قال البيهقى وقد روينا عن جماعة من الصحابة رضي
[ 23 ]
الله عنهم التطوع أو الوتر بركعة واحدة مفصولة عما قبلها ثم رواه من طرق باسانيدها عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وسعد بن أبى وقاص وتميم الدارمي وأبي موسى الاشعري وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب ومعاوية وغيرهم رضي الله عنهم: والجواب عما احتجوا به من حديث الثيراء أنه ضعيف ومرسل وعن قول ابن مسعود الوتر ثلاث أنه محمول على الجواز ونحن نقول به وان اريد به انه لا يجوز إلا ثلاث فالاحاديث الصحيحة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم مقدمة عليه: والجواب عن قوله ما أجزأته صلاة ركعة قط أنه ليس بثابت عنه ولو ثبت لحمل علي الفرائض فقد انه ذكره ردا علي ابن عباس في قوله ان الواجب من الصلاة الرباعية في حال الخوف ركعة واحدة فقال ابن مسعود ما أجزأته ركعة من المكتوبات قط والجواب عن حديث عائشة أنه محمول علي الايتار بتسع ركعات بتسليمة واحدة كما سبق بيانه في موضعه أو يحمل علي الجواز جمعا بين الادلة والله أعلم * (فرع) في مذاهبهم فيما يقرأ من أوتر بثلاث ركعات قد ذكرنا ان مذهبنا انه يقرأ بعد الفاتحة في الاولي سبح وفى الثانية قل يا أيها الكافرون وفى الثالثة قل هو الله أحد مرة والمعوذتين وحكاه القاضى عياض عن جمهور العلماء وبه قال مالك وأبو داود: وقال أبو حنيفة والثوري واسحاق كذلك الا أنهم قالوا لا تقرأ المعوذتين وحكي عن احمد مثله ونقله الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة ومن بعدهم دليلنا حديث عائشة رضى الله عنها الذى احتج به المصنف وقد بينا أنه حديث حسن في فرع بيان الاحاديث واعتمدوا أحاديث ليس فيها ذكر المعوذتين وتقدم عليها حديث عائشة باثبات المعوذتين فان الزيادة من الثقة مقبولة والله أعلم *
[ 24 ]
(فرع) في مذاهبهم فيمن أوتر بثلاث هل يفصل الركعتين عن الثلاثة بسلام: فذكرنا اختلاف اصحابنا في الافضل من ذلك وان الصحيح عندنا ان الفصل افضل وهو قول ابن عمر ومعاذ القارئ وعبد الله بن عياش ابن ابي ربيعة ومالك واحمد واسحق وابي ثور وقال الاوزاعي كلاهما حسن وقال أبو حنيفة لا تجوز الا موصولات وقد سبق بيان الادلة عليه * (فرع) في مذاهبهم في القنوت في الوتر: قد ذكرنا ان المشهور من مذهبنا انه يستحب القنوت فيه في النصف الاخير من شهر رمضان خاصة وحكاه ابن المنذر وابى بن كعب وابن عمر وابن سيرين والزبيرى ويحيي بن وثاب ومالك والشافعي واحمد وحكي عن ابن مسعود والحسن البصري والنخعي واسحق وابي ثور انهم قالوا يقنت فيه في كل السنة وهو مذهب ابى حنيفة وهو رواية عن احمد وقال به جماعة من اصحابنا كما سبق وعن طاوس انه قال القنوت في الوتر بدعة وهي رواية عن ابن عمر * (فرع) في مذاهبهم في محل الوتر: قد ذكرنا ان الصحيح في مذهبنا انه بعد رفع الرأس من الركوع وحكاه ابن المنذر عن ابى بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وسعيد بن جبير رضي الله عنهم قال به اقول وحكى القنوت قبل الركوع عن عمر وعلي رضى الله عنهما أيضا وعن ابن مسعود وأبي موسي الاشعري والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلمانى وحميد الطويل وعبد الرحمن بن ابى ليلي واصحاب الرأى واسحق وحكى عن أيوب السختياني واحمد بن حنبل أنهما جائزان وقد سبقت أدلة المسألة في قنوت الصبح وسبق هناك مذاهبهم في استحباب رفع اليدين ومما احتج به للقنوت قبل الركوع ما روى عن أبى بن كعب أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يوتر بثلاث يسلم منها ويقنت قبل الركوع وهذا حديث ضعيف ضعفه بن المنذر وابن خزيمة وغيرهما من الائمة وحديث آخر عن ابن مسعود رفعه مثل حديث أبي وهو ضعيف ظاهر الضعف * (فرع) في مذاهبهم في نقض الوتر: قد ذكرت أن مذهبنا المشهور انه إذا اوتر في أول الليل ثم تهجد لا ينقض وتره بل يصلي ما شاء شفعا وحكاه القاضي عياض عن أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وسعد وعمار بن ياسر وابن عباس وعائذ بن عمرو وعائشة وطاوس وعلقمة والنخعي
[ 25 ]
وابي مجلز والاوزاعي ومالك واحمد وابى ثور رضى الله عنهم قالت طائفة ينقضه فيصلي في أول تهجده ركعة تشفعه ثم يتهجد ثم يوتر في آخر صلاته حكاه ابن المنذر عن عثمان بن عفان وعلي وسعد وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعمرو بن ميمون وابن سيرين واسحق رضي الله عنهم دليلنا السابق عن طلق بن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا وتران في ليلة " وقد سبق أن الترمذي قال هو حديث حسن ولان الوتر الاول مضي على صحته فلا يتوجه إبطاله بعد فراغه ودليل هذه المسائل المختلف فيها يفهم مما سبق في هذا الفصل فحذفتها ههنا اختصارا لطول الكلام وبالله التوفيق * قال المنصف رحمه الله * (وآكد هذه السنن الراتبة مع الفرائض سنة الفجر والوتر لانه ورد فيهما ما لم يرد في غيرهما وأيهما أفضل فيه قولان قال في الجديد الوتر افضل لقوله صلي الله عليه وسلم " إن الله امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهى الوتر " وقال صلى الله عليه وسلم " من لم يوتر فليس منا " ولانه مختلف في وجوبه وسنة الفجر مجمع علي كونها سنة فكأن الوتر آكد وقال في القديم ستة الفجر آكد لقوله صلي الله عليه وسلم " صلوها ولو طردتكم الخيل " ولانها محصورة لا تحتمل الزيادة والنقصان فهي بالفرائض أشبه من الوتر) *
[ 26 ]
(الشرح) الحديثان الاولان سبق بيانهما في مسائل الوتر وأما حديث سنة الفجر فرواه أبو داود في سننه من رواية أبى هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل " وفى اسناده من اختلف في توثيقه ولم يضعفه أبو داود وعن عائشة رضى الله عنها قالت " لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم علي شئ من النوافل أشد تعاهدا منه علي ركعتي الفجر " رواه البخاري ومسلم وعنها عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " رواه مسلم وعنها " ما رأيت النبي صلي الله عليه وسلم في شئ من النوافل أسرع منه الي الركعتين قبل الفجر " رواه مسلم * أما حكم المسألة قال اصحابنا أفضل النوافل التي لا تسن لها الجماعة السنن الراتبة مع الفرائض وأفضل الرواتب الوتر وسنة الفجر وأيهما أفضل فيه قولان الجديد الصحيح الوتر أفضل والقديم أن سنة الفجر أفضل وقد ذكر المصنف دليلهما وحكى صاحب البيان والرافعي وجها أنهما سواء في الفضيلة فإذا قلنا بالجديد فالذي قطع به المصنف والجمهور أن سنة الفجر تلي الوتر في الفضيلة للاحاديث التى ذكرتها وفيه وجه حكاه الرافعى عن أبى اسحق المروزى أن صلاة الليل أفضل من سنة الفجر وهذا الوجه قوى ففى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " وفى رواية لمسلم ايضا " الصلاة في جوف الليل " ثم أفضل الصلوات بعد الرواتب والتراويح الضحى ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف إذا لم نوجبهما وركعتي الاحرام وتحية المسجد ثم سنة الوضوء وأما قول المصنف وسنة الفجر مجمع علي كونها سنة فكذا يقوله أصحابنا وقد نقل القاضى عياض عن الحسن البصري أنه أوجبها للاحاديث وحكاه بعض أصحابنا عن بعض الحنفية والله أعلم * (فرع) في مسائل تتعلق بالسنن الراتبة (إحداها) قد سبق أنه إذا صلي اربعا قبل الظهر أو بعدها أو قبل العصر يستحب أن يكون بتسليمتين وتجوز بتسليمة بتشهد وبتشهدين فإذا صلي اربعا بتسليمتين ينوى بكل ركعتين ركعتين من سنة الظهر وإذا صلاها بتسليمة وتشهدين فقد سبق في باب صفة الصلاة خلاف في انه هل يسن قراءة السورة في الاخيرتين كالخلاف في الفريضة (الثانية) يستحب تخفيف سنة الفجر وقد
[ 27 ]
سبق في باب صفة الصلاة في فصل قراءة السورة أنه يسن أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا الآية وفى الثانية قل يا أهل الكتاب تعالوا الآية أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله احد وذكرنا هناك أحاديث صحيحة في هذا ومما يستدل به لا يستحب تخفيفها حديث عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلي الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتي انى لاقول هل قرأ بام الكتاب " رواه البخاري ومسلم وعنها قالت " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الاذان ويخففهما " رواه البخاري ومسلم (الثالثة) السنة ان يضطجع علي شقه الايمن بعد صلاة سنة الفجر ويصليها في اول الوقت ولا يترك الاضطجاع ما امكنه فان تعذر عليه فصل بينهما وبين الفريضة بكلام
[ 28 ]
ودليل تقديمها حديث عائشة السابق في المسألة قبلها ودليل الاضطجاع أحاديث صحيحة منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا صلي ركعتي الفجر اضطجع على شقه الايمن " رواه البخاري وعنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فذكرت صلاة الليل ثم قالت فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع علي شقه الايمن حتى يأتيه المؤذن للاقامة " رواه مسلم وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إذا صلي أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع علي يمينه فقال له مروان بن الحكم اما يجزى احدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه قال لا " حديث صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح علي شرط البخاري ومسلم ورواه الترمذي مختصرا عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صلي أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه " قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فان كنت مستيقظة حدثنى والا اضطجع " رواه البخاري ومسلم وقولها حدثنى والا اضطجع يحتمل وجهين أحدهما أن يكون صلى الله عليه وسلم يضطجع يسيرا ويحدثها وإلا فيضطجع كثيرا والثانى أنه صلي الله عليه وسلم في بعض الاوقات القليلة كان
[ 29 ]يترك الاضطجاع بيانا لكونه ليس بواجب كما كان يترك كثيرا من المختارات في بعض الاوقات بيانا للجواز كالوضوء مرة مرة ونظائره ولا يلزم من هذا أن يكون الاضطجاع وتركه سواء ولابد من أحد هذين التأويلين للجمع بين هذه الرواية وروايات عائشة السابقة وحديث أبى هريرة المصرح بالامر بالاضطجاع والله أعلم وقد نقل القاضي عياض في شرح مسلم استحباب الاضطجاع بعد سنة الفجر عن الشافعي واصحابه ثم أنكره عليهم وقال قال مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة ليس هو سنة بل سموه بدعة واستدل بان أحاديث عائشة في بعضها الاضطجاع قبل ركعتي الفجر بعد صلاة الليل وفى بعضها بعد ركعتي الفجر وفى حديث ابن عباس قبل ركعتي الفجر فدل علي أنه لم يكن مقصوده وهذا الذى قاله مردود بحديث أبي هريرة الصريح في الامر بها وكونه صلي الله عليه وسلم اضطجع في بعض الاوقات أو أكثرها أو كلها بعد صلاة الليل لا يمنع أن يضطجع أيضا بعد ركعتي الفجر وقد صح اضطجاعه بعدهما وأمره به فتعين المصير إليه ويكون سنة وتركه يجوز جمعا بين الادلة وقال البيهقى في السنن الكبير أشار الشافعي إلي أن المراد بهذا الاضطجاع الفصل بين النافلة والفريضة فيحصل بالاضطجاع والتحدث أو التحول من ذلك المكان أو نحو ذلك ولا يتعين الاضطجاع هذا ما نقله البيهقي والمختار الاضطجاع لظاهر حديث ابي هريرة واما ما رواه البيهقي عن ابن عمر أنه قال هي بدعة فاسناده ضعيف ولانه نفى فوجب تقديم الاثبات عليه والله أعلم (الرابعة) يستحب عندنا وعند أكثر العلماء فعل السنن الراتبة في السفر لكنها في الحضر آكد وسنوضح المسألة بفروعها ودليلها ومذاهب العلماء فيها في باب صلاة المسافرين إن شاء الله تعالى ومما تقدم الاستدلال به حديث أبي قتادة رضي الله عنه الطويل المشتمل علي معجزات لرسول الله صلي الله عليه وسلم
[ 12 ]
رمضان لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قال السنة إذا انتصف الشهر من رمضان أن تلعن الكفرة في الوتر بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ثم يقول اللهم قاتل الكفرة وقال أبو عبد الله الزبيري يقنت في جميع السنة لما روى أبى بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث ركعات ويقنت قبل الركوع والمذهب الاول وحديث أبى بن كعب غير ثابت عند أهل النقل ومحل القنوت في الوتر بعد الرفع من الركوع ومن أصحابنا من قال محله في الوتر قبل الركوع لحديث أبى بن كعب والصحيح هو الاول لما ذكرت من حديث عمر رضي الله عنه ولانه في الصبح يقنت بعد الركوع فكذلك الوتر ووقت الوتر ما بين أن يصلي العشاء إلى طلوع الفجر الثاني لقوله عليه الصلاة والسلام إن الله تعالي زادكم صلاة وهى الوتر فصلوها من صلاة العشاء إلي طلوع الفجر فان كان ممن له تهجد فالاولى أن يؤخره حتى يصليه بعد التهجد وإن لم يكن له تهجد فالاولي أن يصليه بعد سنة العشاء لما روي جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من خاف منكم أن لا يستيقظ من آخر الليل فليوتر من أول الليل ثم ليرقد ومن طمع منكم أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخر الليل) * (الشرح) الوتر سنة عندنا بلا خلاف واقله ركعة بلا خلاف وادني كماله ثلاث ركعات واكمل منه خمس ثم سبع ثم تسع ثم احدى عشرة وهى اكثره على المشهور في المذهب وبه قطع المصنف والاكثرون وفيه وجه ان اكثره ثلاث عشرة حكاه جماعة من الخراسانيين وجاءت فيه احاديث صحيحة ومن قال باحدى عشرة بتأولها على ان الراوى حسب معها سنة العشاء ولو زاد على ثلاثة عشرة لم يجز ولم يصح وتره عند الجمهور وفيه وجه حكاه امام الحرمين وغيره انه يجوز لان النبي صلي الله عليه وسلم فعله على اوجه من اعداد من الركعات فدل علي عدم انحصاره وأجاب الجمهور عن هذا بان اختلاف الاعداد انما هو فيما لم يجاوز ثلاثة عشرة ولم ينقل مجاوزتها فدل علي امتناعها والخلاف شبيه بالخلاف في جواز القصر فيما زاد علي اقامة ثمانية عشر يوما وفى جواز الزيادة علي انتظارين في صلاة الخوف وإذا أوتر باحدى عشرة فما دونها فالافضل ان يسلم من كل ركعتين للاحاديث الصحيحة التى سأذكرها ان شاء الله تعالي في فرع مذاهب العلماء فان أراد جمعها بتشهد واحد في آخرها كلها جاز وان أرادها بتشهدين وسلام واحد يجلس في الآخرة والتى قبلها جاز وحكي الفوراني وامام الحرمين وجها انه لا يجوز بتشهدين بل يشترط الاقتصار على تشهد واحد وحمل هذا القائل الاحاديث الواردة بتشهدين علي أنه كان يسلم في كل تشهد قال الامام وهذا الوجه ردئ لا تعويل عليه وحكي الرافعى وجها عكسه
[ 13 ]
أنه لا يجزئ الاقتصار على تشهد واحد وهذان الوجهان غلط والاحاديث الصحيحة مصرحة بابطالهما والصواب جواز ذلك كله كما قدمناه ولكن (1) الافضل تشهد ام تشهدان ام هما معافى الفضيلة: فيه ثلاثة أوجه واختار الرويانى تشهدا فقط اما إذا زاد على تشهدين وجلس في كل ركعتين واقتصر على السلام في الآخرة فوجهان حكاهما الرافعي وغيره أحدهما يجوز ويصح وتره كما لو صلي نافلة مطلقة بتشهدات وسلام واحد فانه يجوز على المذهب الصحيح كما سنذكره قريبا ان شاء الله تعالي والثاني وهو الصحيح لا يجوز ذلك لانه خلاف المنقول عن رسول الله صلي الله عليه وسلم وبهذا قطع امام الحرمين وغيره قال الامام والفرق بينه وبين النوافل المطلقة أن النوافل المطلقة لا حصر لركعاتها وتشهداتها بخلاف الوتر وإذا أراد الاتيان بثلاث ركعات ففى الافضل اوجه الصحيح ان الافضل أن يصليها مفصولة بسلامين لكثرة الاحاديث الصحيحة فيه ولكثرة العبادات فانه تتجدد النية ودعاء التوجه والدعاء في آخر الصلاة والسلام وغير ذلك والثاني ان وصلها بتسليمة واحدة أفضل قاله الشيخ أبو زيد المروزى للخروج من الخلاف فان ابا حنيفة رحمه الله لا يصحح المفصولة والثالث ان كان منفردا فالفصل أفضل وان كان اماما فالوصل حتى تصح صلاته لكل المقتدين والرابع عكسه حكاه الرافعي وهل الثلاث الموصولة أفضل أم ركعة فردة فيه اوجه حكاها امام الحرمين وغيره الصحيح ان الثلاث افضل وبه قال القفال والثانى الفردة افضل قال امام الحرمين وغلا هذا القائل فقال الركعة الفردة افضل من احدي عشرة موصولة والثالث ان كان منفردا فالفردة افضل وان كان اماما فالثلاث الموصولة أفضل ثم ان الخلاف في التفضيل بين الفصل والوصل انما هو في الوصل بثلاث اما الوصل بزيادة على ثلاث فالفصل افضل منه بلا خلاف ذكره امام الحرمين والله اعلم ثم أن أوتر بركعة نوى بها الوتر وان اوتر باكثر واقتصر علي تسليمة نوى الوتر ايضا وإذا فصل الركعتان بالسلام وسلم من كل ركعتين نوى بكل ركعتين ركعتين من الوتر هذا هو المختار وله ان ينوى غير هذا مما سبق بيانه في أول صفة الصلاة * (فرع) في وقت الوتر اما أوله ففيه ثلاثة أوجه الصحيح المشهور الذى قطع به المصنف والجمهور انه يدخل بفراغه من فريضة العشاء سواء صلي بينه وبين العشاء نافلة ام لا سواء اوتر بركعة ام باكثر فان أوتر قبل فعل العشاء لم يصح وتره سواء تعمده ام سها وظن أنه صلي العشاء ام ظن جوازه وكذا لو صلي العشاء ظانا أنه تطهر ثم احدث فتوضأ فأوتر فبان انه كان محدثا في العشاء فوتره باطل والوجه الثاني يدخل وقت الوتر بدخول وقت العشاء وله أن يصليه قبلها حكاه امام الحرمين
(1) كذا بالاصل ولعل اداة الاستفهام سقطت من الناسخ *
[ 14 ]
وآخرون وقطع به القاضى أبو الطيب قالوا سواء تعمد ام سها والثالث انه إن أوتر باكثر من ركعة دخل وقته بفعل العشاء وان أوتر بركعة فشرط صحتها أن يتقدمها نافلة بعد فريضة العشاء فأن أوتر بركعة قبل ان يتقدمها نفل لم يصح وتره وقال امام الحرمين ويكون تطوعا قال الرافعي ينبغي ان يكون في صحتها نفلا وبطلانها بالكلية الخلاف السابق فيمن احرم بالظهر قبل الزوال * وأما آخر وقت الوتر فالصحيح الذى قطع به المصنف والجمهور انه يمتد الي طلوع الفجر ويخرج وقته بطلوع الفجر وحكى المتولي قولا للشافعي انه يمتد الي ان يصلى فريضة الصبح وأما الوقت المستحب للاتيار فقطع المنصف والجمهور بان الافضل ان يكون الوتر آخر صلاة الليل فان كان لا يتهجد استحب أن يوتر بعد فريضة العشاء وسنتها في أول الليل وان كان له تهجد فالافضل تأخير الوتر ليفعله بعد التهجد ويقع وتره آخر صلاة الليل وقال امام الحرمين والغزالي تقديم الوتر في أول الليل أفضل وهذا خلاف ما قاله غيرهما من الاصحاب قال الرافعى يجوز أن يحمل نفلهما علي من لا يعتاد قيام الليل ويجوز ان يحمل علي اختلاف قول والامر فيه قريب وكل سائغ (قلت) والصواب التفصيل الذى سبق وانه يستحب لمن له تهجد تأخير الوتر ويستحب أيضا لمن لم يكن له تهجد ووثق باستيقاظه أواخر الليل اما بنفسه واما بايقاظ غيره ان يؤخر الوتر ليفعله آخر الليل لحديث عائشة رضى الله عنها قالت كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلى من الليل فأذا بقي الوتر أيقظني فأوترت رواه مسلم وفى رواية له فإذا أوتر قال قومي فأوترى يا عائشة ودليل استحباب الايتار آخر الليل أحاديث كثيرة في الصحيح منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت من كل الليل قد أوتر رسول الله صلي الله عليه وسلم من أوله وآخره وانتهى وتره الي السحر " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " رواه البخاري ومسلم وعنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " بادروا الصبح بالوتر " رواه مسلم وعن جابر رضى الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من خاف الا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل فان صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل " رواه مسلم بلفظه وهذا صريح فيما ذكرناه أولا من التفصيل ولا معدل عنه وأما حديث ابي الدرداء وابي هريرة رضى الله عنهما " أوصاني خليلي بثلاث لا ادعهن
[ 15 ]
حتى أموت صوم ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحي وألا انام الا علي وتر رواهما مسلم وروى البخاري حديث أبى هريرة فمحمولان علي من لا يثق بالقيام آخر الليل وهذا التأويل متعين ليجمع بينه وبين حديث جابر وغيره من الاحاديث السابقة من قوله صلي الله عليه وسلم وفعله والله أعلم * (فرع) إذا اوتر قبل أن ينام ثم قام وتهجد لم ينقض الوتر علي الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور بل يتهجد بما تيسر له شفعا وفيه وجه حكاه امام الحرمين وغيره من الخراسانيين انه يصلى من أول قيامه ركعة يشفعه ثم يتهجد ما شاء ثم يوتر ثانيا ويسمى هذا نقض الوتر والمذهب الاول لحديث طلق بن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا وتران في ليلة رواه أبو داود والترمذي والنسائي قال الترمذي حديث حسن * (فرع) إذا استحببنا الجماعة في التراويح استحبت الجماعة أيضا في الوتر بعدها باتفاق الاصحاب فان كان له تهجد لم يوتر معهم بل يؤخره إلى آخر الليل كما سبق فان أراد الصلاة معهم صلي نافلة مطلقة وأوتر آخر الليل وأما في غير رمضان فالمشهور أنه لا يستحب فيه الجماعة وحكى الرافعي عن حكاية أبى الفضل بن عبدان وجهين في استحبابها فيه مطلقا والمذهب الاول: والمذهب ان السنة أن يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الوتر في النصف الاخير من شهر رمضان هذا هو المشهور في المذهب ونص عليه الشافعي رحمه الله وفى وجه يستحب في جميع شهر رمضان وهو مذهب مالك ووجه ثالث أنه يستحب في الوتر في جميع السنة وهو قول أربعة من كبار أصحابنا أي عبد الله الزبيري وأبى الوليد النيسابوري وإبي الفضل بن عبدان وأبي منصور بن مهران وهذا الوجه قوى في الدليل لحديث الحسن ابن على رضي الله عنهما السابق في القنوت ولكن المشهور في المذهب ما سبق وبه قال جمهور الاصحاب قال الرافعي وظاهر كلام الشافعي رحمه الله كراهة القنوت في غير النصف الآخر من رمضان قال ولو ترك القنوت في موضع استحبه سجد للسهو ولو قنت حيث لا يستحبه سجد للسهو وحكى الرويانى وجها أنه يقنت في جميع السنة بلا كراهة ولا يسجد للسهو لتركه من غير النصف الآخر من رمضان قال وهذا حسن وهو اختيار مشايخ طبرستان * (فرع) في موضع القنوت في الوتر أوجه الصحيح المشهور بعد الركوع ونص عليه الشافعي رحمه الله من حرملة وقطع به الاكثرون وصححه الباقون والثانى قبل الركوع قاله ابن سريج والثالث يتخير بينهما حكاه الرافعي وسيأتى دليل الجميع ان شاء الله تعالي فإذا قلنا يقدمه علي الركوع فالصحيح المشهور
[ 16 ]
أنه يقيت بلا تكبير وفيه وجه أنه يكبر بعد القراءة ثم يقنت ثم يركع مكبرا حكاه الرافعى رحمه الله * (فرع) قال اصحابنا لفظ القنوت هنا كهو في الصبح ولهذا لم يذكره المصنف قالوا ؟ ؟ ؟ باللهم اهدني فيمن هديت وبقنوت عمر رضى الله عنهما وقد سبق بيانهما في صفة الصلاة وهل الافضل تقديم قنوت عمر علي قوله اللهم اهدني أم تأخيره فيه وجها قال الروياني تقديمه أفضل قال وعليه العمل ونقل القاضى أبو الطيب في غير تعليقه عن شيوخهم تأخيره وهذا هو الذى نختاره لان قولهم اللهم اهدني ثابت عن النبي صلي الله عليه وسلم وهذا آكد واهم فقدم قال الرويانى قال ابن القاص يزيد في القنوت ربنا لا تؤاخذنا الي آخر السورة واستحسنه وهذا الذى قاله غريب ضعيف والمشهور كراهة القراءة في غير القيام * (فرع) حكم الجهر بالقنوت ورفع اليد ومسح الوجه كما سبق في قنوت الصبح * (فرع) قال اصحابنا يستحب لمن أوتر بثلاث أن يقرأ بعد الفاتحة في الاولى سبح اسم ربك وفى الثانية قل يا أيها الكافرون وفى الثالثة قل هو الله أحد والمعوذتين واستدلوا له بالحديث الذى ذكره المصنف وسنذكره ان شاء الله تعالى وغيره * (فرع) يستحب أن يقول بعد الوتر ثلاث مرات سبحان الملك القدوس وأن يقول اللهم انى اعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك واعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك ففيهما حديثان صحيحان في سنن أبي داود وغيره * (فرع) إذا أوتر ثم اراد ان يصلي نافلة أم غيرها في الليل جاز بلا كراهة ولا يعيد الوتر كما سبق ودليله حديث عائشة رضى الله عنها وقد سئلت عن وتر رسول الله صلي الله عليه وسلم قالت كنا نعدله سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء ان يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيهن الا في الثامنة فيذكر الله ويمجده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد فيذكر الله ويمجده ويدعوه ثم يسلم تسليما يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد رواه مسلم وهو بعض حديث طويل وهذا الحديث محمول على انه صلي الله عليه وسلم صلي الركعتين بعد الوتر بيانا لجواز الصلاة بعد الوتر ويدل عليه أن الروايات المشهورة في الصحيحين عن عائشة مع رواية خلائق من الصحابة رضي الله عنهم في الصحيحين مصرحة بان آخر صلاة النبي صلي الله عليه وسلم في الليل كانت وترا وفى الصحيحين
[ 17 ]
أحاديث كثيرة بالامر بكون آخر صلاة الليل وترا كقوله صلى الله تعالي عليه وسلم " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا وقد تقدم قريبا عن الصحيحين " كقوله صلي الله عليه وسلم " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فاوتر بواحدة " روياه في الصحيحين من رواية ابن عمر رضى الله عنهما فكيف يظن بالنبي صلي الله عليه وسلم مع هذه الاحاديث وأشباهها انه كان يداوم علي ركعتين بعد الوتر وانما معناه ما ذكرناه أولا من بيان الجواز وانما بسطت الكلام في هذا الحديث لانى رأيت بعض الناس يعتقد أنه يستحب صلاة ركعتين بعد الوتر جالسا ويفعل ذلك ويدعو الناس إليه وهذه جهالة وغباوة انسه بالاحاديث الصحيحة وتنوع طرقها وكلام العلماء فيها فاحذر من الاغترار به واعتمد ما ذكرته أولا وبالله التوفيق * (فرع) في بيان الاحاديث المذكورة في الكتاب في فضل الوتر: الاول حديث ابى أيوب رضى الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوتر حق علي كل مسلم فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل " رواه أبو داود باسناد صحيح بهذا اللفظ ورواه هكذا أيضا الحاكم علي المستدرك وقال حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم وأما الزيادة التي ذكرها المصنف فيه وهي قوله الوتر حق وليس بواجب فغريبة لا اعرف لها اسنادا صحيحا ويغنى عنها ما سأذكره من الادلة علي عدم وجوب الوتر في فرع مذاهب العلماء فيه ان شاء الله تعالى (الثاني) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله تعالي عليه وسلم كان يصلي من الليل إحدي عشرة يوتر منها بواحدة رواه البخاري ومسلم (الثالث) حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر في الاولي سبح اسم ربك وفى الثانية (قل يا أيها الكافرون وفي والثالثة (قل هو الله احد) (والمعوذتين) ورواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من رواية أبى بن كعب راه الترمذي النسائي ابن ماجه من راية بن عباس لكن ليس في روايتهما ذكر المعوذتين وهو ثابت في حديث عائشة كما ذكرناه (الرابع) حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة يسمعناها رواه احمد بن حنبل في مسنده بهذا اللفظ (الخامس) قيل فان كان يعلم حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر رواه النسائي باسناد حسن ورواه البيهقى في السنن الكبيرة
[ 18 ]
باسناد صحيح وقال يشبه أن يكون هذا اختصارا من حديثها في الايتار بتسع يعني حديثها السابق في الفرع قبله (السادس) حديث قنوت عمر بن الخطاب رضى الله عنه رواه أبو داود في سننه من رواية الحسن البصري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جمع الناس علي أبي بن كعب فكان يصلى لهم عشرين ليلة ولا يقنت بهم ألا في النصف الباقي فإذا كان العشر الاواخر تخلف فصلي في بيته فكانوا يقولون ابق ابى هذا لفظ أبي داود والبيهقي وهو منقطع لان الحسن لم يدرك عمر بل ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ورواه أبو داود أيضا عن ابن سيرين عن بعض أصحابه أن أبى بن كعب أمهم يعنى في رمضان وكان يقنت في النصف الآخر منه وهذا أيضا ضعيف لانه رواية مجهول (السابع) حديث أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقنت في الوتر قبل الركوع " رواه أبو داود وضعفه وروى البيهقي القنوت في الوتر من رواية ابن مسعود وأبى بن كعب وابن عباس رضى الله عنهم عن النبي صلي الله عليه وسلم وضعفها كلها وبين سبب ضعفها (الثامن) حديث ان النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله زادكم صلاة وهى الوتر فصلوها من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر هذا الحديث رواه أبو داود والترمذي من رواية خارجة بن حذافة رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال إن الله قد امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهى الوتر فجعلها لكم فيما بين العشاء إلى طلوع الفجر هذا لفظ رواية أبي داود وفى رواية الترمذي فيما بين صلاة العشاء الي طلوع الفجر وفى إسناد هذا الحديث ضعف واشار البخاري وغيره من العلماء إلي تضعيفه قال البخاري فيه رجلان لا يعرفان إلا بهذا الحديث ولا يعرف سماع رواية بعضهم من بعض (التاسع) حديث جابر رضى الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال من خاف الا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله ومن طمع الحديث رواه مسلم وقد سبق بيانه * (فرع) في لغات الفاظ الفصل الوتر - بفتح الواو وكسرها - لغتان وأبو أيوب الانصاري إسمه خالد بن زيد شهد بدرا والعقبة والمشاهد كلها مع رسول الله صلي الله عليه وسلم نزل عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قدم المدينة شهرا حتي يثبت امساكنه توفى في الغزو بالقسطنطنينية رضى الله عنه وأما أبى بن كعب فهو أبو المنذر ويقال أبو الطفيل شهد العقبة الثانية وبدرا ومناقبه كثيرة ومن أجلها أن النبي صلي الله عليه وسلم قرأ عليه (لم يكن الذين كفروا) السورة وقال امرني الله تعالي ان اقرأها عليك وحديثه هذا مشهور في الصحيحين توفى بالمدينة سنة تسع عشرة
[ 19 ]
وقيل عشرين وقيل ثنتين وعشرين رضى الله عنه (قوله) الوتر حق أي مشروع مأمور به والتهجد هو الصلاة في الليل بعد النوم * (فرع) في مذاهب العلماء في حكم الوتر مذهبنا أنه ليس بواجب بل هو سنة متأكدة وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم قال القاضي أبو الطيب هو قول العلماء كافة حتى أبو يوسف ومحمد قال وقال أبو حنيفة وحده هو واجب وليس بفرض فان تركه حتى طلع الفجر اثم ولزمه القضاء وقال الشيخ أبو حامد في تعليقه الوتر سنة مؤكدة ليس بفرض ولا واجب وبه قالت الامة كلها إلا أبا حنيفة فقال هو واجب وعنه رواية انه فرض وخالفه صاحباه فقالا هو سنة قال أبو حامد قال ابن المنذر لا اعلم احدا وافق ابا حنيفة في هذا * واحتج له بحديث أبى ايوب رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر حق علي كل مسلم فمن احب ان يوتر بخمس " الخ وهو حديث صحيح كما سبق قريبا وعن علي بن ابى طالب رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " ياهل القرآن أوتروا فان الله وتر يحب الوتر " رواه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي حديث حسن وعن بريدة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " رواه أبو داود وعن عمرو بن شعيب عن ابيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهى الوتر " وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلي الله عليه وسلم " قال اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " رواه البخاري ومسلم وعن ابي سعيد الخدرى رضى الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " أوتروا قبل ان تصبحوا " وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل فإذا اوتر قال قومي فأوترى يا عائشة " رواه مسلم وذكروا اقسية ومناسبات لا حاجة إليها مع هذه الاحاديث * واحتج اصحابنا والجمهور بحديث طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه قال جاء رجل من أهل نجد فإذا هو يسأل عن الاسلام فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع وسأله عن الزكاة والصيام وقال في آخره والله لا أزيد علي هذا ولا أنقص فقال النبي صلي الله عليه وسلم أفلح إن صدق " رواه البخاري ومسلم من طرق واستنبط الشيخ أبو حامد وغيره منه أربعة أدلة (أحدها) أن النبي صلي الله عليه وسلم أخبره أن الواجب من الصلوات إنما هو الخمس (الثاني) قوله هل علي غيرها قال لا
[ 20 ]
(الثالث) قوله صلى الله عليه وسلم إلا أن تطوع وهذا تصريح بان الزيادة علي الخمس إنما تكون تطوعا (الرابع) أنه قال لا أزيد ولا انقص فقال النبي صلي الله عليه وسلم أفلح ان صدق وهذا تصريح بأنه لا يأثم بترك غير الخمس وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال ادعهم الي شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فان هم أطاعوا لذلك فاعلمهم أن الله تعالي افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد الي فقرائهم رواه البخاري ومسلم وهذا من أحسن الادلة لان بعث معاذ رضي الله عنه إلي اليمن كان قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقليل جدا وعن عبد الله بن محيريز عن رجل من بني كنانة يقال له المخدجي قال كان بالشام رجل يقال له أبو محمد قال الوتر واجب فرحت إلي عبادة - يعنى بن الصامت - فقلت أن أبا محمد يزعم أن الوتر واجب قال كذب أبو محمد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا جاء وله عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن ضيعهن استخفافا بحقهن جاء ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة هذا حديث صحيح رواه مالك في الموطأ وابو داود والنسائي وغيرهم وعن علي رضى الله عنه قال ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الترمذي والنسائي وآخرون قال الترمذي حديث حسن وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال الوتر امر حسن جميل عمل به النبي صلي الله عليه وسلم والمسلمون من بعده وليس بواجب رواه الحاكم وقال صحيح علي شرط البخاري ومسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان يصلى الوتر علي راحلته ولا يصلي عليها المكتوبة " رواه البخاري ومسلم واستدل به الشافعي والاصحاب على ان الوتر ليس بواجب (فان قيل) لا دلالة فيه لان مذهبكم ان الوتر واجب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وان كان سنة في حق الامة فالواجب أن يقال لو كان على العموم لم يصح علي الراحلة كالمكتوبة وكان من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم جواز هذا الواجب الخاص عليه علي الراحلة فهذه الاحاديث هي التى يعتمدها في المسألة. واستدل اصحابنا باحاديث كثيرة مشهورة غير ما سبق لكن اكثرها ضعيفة لا استحل الاحتجاج بها فيما ذكرته من الاحاديث الصحيحة ابلغ كفاية ومن الضعيف الذى احتجوا به حديث أبي جناب - بجيم ونون - عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " ثلاث هن علي فرائض
[ 21 ]
وهن لكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحي " رواه البيهقى وقال أبو جناب الكلبي اسمه يحيي بن أبي حيينه ضعيف وهو مدلس وانما ذكرت هذا الحديث لابين ضعفه واحذر من الاغترار به قال اصحابنا ولانها صلاة لا تشرع لها الاذان ولا الاقامة فلم تكن واجبة علي الاعيان كالضحى وغيرها واحترزوا بقولهم علي الاعيان من الجنازة والنذر: واما الاحاديث التى احتجوا بها فمحمولة على الاستحباب والندب المتأكد ولابد من هذا التأويل للجمع بينها وبين الاحاديث التي استدللنا بها فهذا جواب يعمها ويجاب عن بعضها خصوصا بجواب آخر فحديث أبى أيوب لا يقولون به لان فيه فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل وهم يقولون لا يكون الوتر إلا ثلاث ركعات وحديث عمر بن شعيب في إسناد المثنى بن الصباح وهو ضعيف وحديث بريدة في روايته عبيدالله بن عبد الله العتكى أبو المنيب والظاهر انه منفرد به وقد ضعفه البخاري وغيره ووثقه ابن معين وغيره وادعي الحاكم انه حديث صحيح والله أعلم * (فرع) في مذاهبهم في فعل الوتر علي الراحلة في السفر مذهبنا: انه جائز على الراحلة في السفر كسائر النوافل سواء كان له عذر ام لا وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم فمنهم علي بن أبي طالب وأبن عمر وابن عباس وعطاء والثوري ومالك واحمد واسحق وداود وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يجوز الا لعذر * دليلنا حديث ابن عمر ان النبي صلي الله عليه وسلم كان يوتر علي راحلته في السفر رواه البخاري ومسلم * (فرع) في مذاهبهم في وقت الوتر واستحباب تقديمه وتأخيره: قال ابن المنذر اجمع أهل العلم على ان ما بين صلاة العشاء إلي طلوع الفجر وقت للوتر ثم حكى عن جماعة من السلف أنهم قالوا يمتد وقته إلى أن يصلي الصبح وعن جماعة انهم قالوا يفوت لطلوع الفجر ومن استحب الاتيان اول الليل أبو بكر الصديق وعثمان بن عفان وابو الدرداء وأبو هريرة ورافع بن خديج وعبد الله بن عمرو بن العاص لما أسن رضي الله عنهم وممن استحب تأخيره إلي آخر الليل عمر بن الخطاب وعلى وابن مسعود ومالك والثوري وأصحاب الرأى رضى الله عنهم وهو الصحيح في مذهبنا كما سبق وذكرنا دليله * (فرع) في مذاهبهم في عدد ركعات الوتر: قد سبق ان مذهبنا ان أقله ركعة واكثره احدى عشرة
[ 22 ]
وفى وجه ثلاث عشرة وما بين ذلك جائز وكلما قرب من اكثره كان افضل وبهذا قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم * وقال أبو حنيفة لا يجوز الوتر الا ثلاث ركعات موصولة بتسليمة واحدة كهيئة المغرب قال لو أوتر بواحدة أو بثلاث بتسليمتين لم يصح ووافقه سفيان الثوري قال اصحابنا لم يقل أحد من العلماء ان الركعة الواحدة لا يصح الا ينار بها غيرهما ومن تابعهما واحتج لهم بحديث محمد بن كعب القرظبى ان النبي صلى الله عليه وسلم " نهي عن البتيراء " وعن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال الوتر ثلاث كوتر النهار المغرب قال البيهقى هذا صحيح عن ابن مسعود من قوله وروى مرفوعا وهو ضعيف وعن ابن مسعود أيضا ما أجزأت ركعة قط وعن عائشة ان النبي صلي الله عليه وسلم " كان لا يسلم في ركعتي الوتر " رواه النسائي باسناد حسن * واحتج أصحابنا بحديث ابن عمر ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فاوتر بواحدة " رواه البخاري ومسلم وعن ابن عمر أيضا أن النبي صلي الله عليه وسلم قال " الوتر ركعة من آخر الليل " رواه مسلم وعن عائشة رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم قالت " كان يصلى من الليل إحدى عشرة ركعة يسلم كل ركعتين ويوتر منها بواحدة " رواه البخاري ومسلم وعن ابي أيوب ان النبي صلي الله عليه وسلم قال " الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوثر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوثر بواحدة فليفعل " حديث صحيح رواه أبو داود باسناده صحيح وصححه الحاكم وسبق بيانه وعن عائشة قالت " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شئ إلا في آخرها " رواه مسلم وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا توتروا بثلاث اوتروا بخمس أو بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب " رواه الدار قطني وقال اسناده كلهم ثقات والاحاديث في المسألة كثيرة في الصحيح وفيما ذكرته كفاية قال البيهقى وقد روينا عن جماعة من الصحابة رضي
[ 23 ]
الله عنهم التطوع أو الوتر بركعة واحدة مفصولة عما قبلها ثم رواه من طرق باسانيدها عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وسعد بن أبى وقاص وتميم الدارمي وأبي موسى الاشعري وابن عمر وابن عباس وأبي أيوب ومعاوية وغيرهم رضي الله عنهم: والجواب عما احتجوا به من حديث الثيراء أنه ضعيف ومرسل وعن قول ابن مسعود الوتر ثلاث أنه محمول على الجواز ونحن نقول به وان اريد به انه لا يجوز إلا ثلاث فالاحاديث الصحيحة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم مقدمة عليه: والجواب عن قوله ما أجزأته صلاة ركعة قط أنه ليس بثابت عنه ولو ثبت لحمل علي الفرائض فقد انه ذكره ردا علي ابن عباس في قوله ان الواجب من الصلاة الرباعية في حال الخوف ركعة واحدة فقال ابن مسعود ما أجزأته ركعة من المكتوبات قط والجواب عن حديث عائشة أنه محمول علي الايتار بتسع ركعات بتسليمة واحدة كما سبق بيانه في موضعه أو يحمل علي الجواز جمعا بين الادلة والله أعلم * (فرع) في مذاهبهم فيما يقرأ من أوتر بثلاث ركعات قد ذكرنا ان مذهبنا انه يقرأ بعد الفاتحة في الاولي سبح وفى الثانية قل يا أيها الكافرون وفى الثالثة قل هو الله أحد مرة والمعوذتين وحكاه القاضى عياض عن جمهور العلماء وبه قال مالك وأبو داود: وقال أبو حنيفة والثوري واسحاق كذلك الا أنهم قالوا لا تقرأ المعوذتين وحكي عن احمد مثله ونقله الترمذي عن أكثر العلماء من الصحابة ومن بعدهم دليلنا حديث عائشة رضى الله عنها الذى احتج به المصنف وقد بينا أنه حديث حسن في فرع بيان الاحاديث واعتمدوا أحاديث ليس فيها ذكر المعوذتين وتقدم عليها حديث عائشة باثبات المعوذتين فان الزيادة من الثقة مقبولة والله أعلم *
[ 24 ]
(فرع) في مذاهبهم فيمن أوتر بثلاث هل يفصل الركعتين عن الثلاثة بسلام: فذكرنا اختلاف اصحابنا في الافضل من ذلك وان الصحيح عندنا ان الفصل افضل وهو قول ابن عمر ومعاذ القارئ وعبد الله بن عياش ابن ابي ربيعة ومالك واحمد واسحق وابي ثور وقال الاوزاعي كلاهما حسن وقال أبو حنيفة لا تجوز الا موصولات وقد سبق بيان الادلة عليه * (فرع) في مذاهبهم في القنوت في الوتر: قد ذكرنا ان المشهور من مذهبنا انه يستحب القنوت فيه في النصف الاخير من شهر رمضان خاصة وحكاه ابن المنذر وابى بن كعب وابن عمر وابن سيرين والزبيرى ويحيي بن وثاب ومالك والشافعي واحمد وحكي عن ابن مسعود والحسن البصري والنخعي واسحق وابي ثور انهم قالوا يقنت فيه في كل السنة وهو مذهب ابى حنيفة وهو رواية عن احمد وقال به جماعة من اصحابنا كما سبق وعن طاوس انه قال القنوت في الوتر بدعة وهي رواية عن ابن عمر * (فرع) في مذاهبهم في محل الوتر: قد ذكرنا ان الصحيح في مذهبنا انه بعد رفع الرأس من الركوع وحكاه ابن المنذر عن ابى بكر الصديق وعمر وعثمان وعلي وسعيد بن جبير رضي الله عنهم قال به اقول وحكى القنوت قبل الركوع عن عمر وعلي رضى الله عنهما أيضا وعن ابن مسعود وأبي موسي الاشعري والبراء بن عازب وابن عمر وابن عباس وأنس وعمر بن عبد العزيز وعبيدة السلمانى وحميد الطويل وعبد الرحمن بن ابى ليلي واصحاب الرأى واسحق وحكى عن أيوب السختياني واحمد بن حنبل أنهما جائزان وقد سبقت أدلة المسألة في قنوت الصبح وسبق هناك مذاهبهم في استحباب رفع اليدين ومما احتج به للقنوت قبل الركوع ما روى عن أبى بن كعب أن النبي صلي الله عليه وسلم " كان يوتر بثلاث يسلم منها ويقنت قبل الركوع وهذا حديث ضعيف ضعفه بن المنذر وابن خزيمة وغيرهما من الائمة وحديث آخر عن ابن مسعود رفعه مثل حديث أبي وهو ضعيف ظاهر الضعف * (فرع) في مذاهبهم في نقض الوتر: قد ذكرت أن مذهبنا المشهور انه إذا اوتر في أول الليل ثم تهجد لا ينقض وتره بل يصلي ما شاء شفعا وحكاه القاضي عياض عن أكثر العلماء وحكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وسعد وعمار بن ياسر وابن عباس وعائذ بن عمرو وعائشة وطاوس وعلقمة والنخعي
[ 25 ]
وابي مجلز والاوزاعي ومالك واحمد وابى ثور رضى الله عنهم قالت طائفة ينقضه فيصلي في أول تهجده ركعة تشفعه ثم يتهجد ثم يوتر في آخر صلاته حكاه ابن المنذر عن عثمان بن عفان وعلي وسعد وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعمرو بن ميمون وابن سيرين واسحق رضي الله عنهم دليلنا السابق عن طلق بن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا وتران في ليلة " وقد سبق أن الترمذي قال هو حديث حسن ولان الوتر الاول مضي على صحته فلا يتوجه إبطاله بعد فراغه ودليل هذه المسائل المختلف فيها يفهم مما سبق في هذا الفصل فحذفتها ههنا اختصارا لطول الكلام وبالله التوفيق * قال المنصف رحمه الله * (وآكد هذه السنن الراتبة مع الفرائض سنة الفجر والوتر لانه ورد فيهما ما لم يرد في غيرهما وأيهما أفضل فيه قولان قال في الجديد الوتر افضل لقوله صلي الله عليه وسلم " إن الله امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهى الوتر " وقال صلى الله عليه وسلم " من لم يوتر فليس منا " ولانه مختلف في وجوبه وسنة الفجر مجمع علي كونها سنة فكأن الوتر آكد وقال في القديم ستة الفجر آكد لقوله صلي الله عليه وسلم " صلوها ولو طردتكم الخيل " ولانها محصورة لا تحتمل الزيادة والنقصان فهي بالفرائض أشبه من الوتر) *
[ 26 ]
(الشرح) الحديثان الاولان سبق بيانهما في مسائل الوتر وأما حديث سنة الفجر فرواه أبو داود في سننه من رواية أبى هريرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " لا تدعوا ركعتي الفجر ولو طردتكم الخيل " وفى اسناده من اختلف في توثيقه ولم يضعفه أبو داود وعن عائشة رضى الله عنها قالت " لم يكن النبي صلي الله عليه وسلم علي شئ من النوافل أشد تعاهدا منه علي ركعتي الفجر " رواه البخاري ومسلم وعنها عن النبي صلي الله عليه وسلم قال " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " رواه مسلم وعنها " ما رأيت النبي صلي الله عليه وسلم في شئ من النوافل أسرع منه الي الركعتين قبل الفجر " رواه مسلم * أما حكم المسألة قال اصحابنا أفضل النوافل التي لا تسن لها الجماعة السنن الراتبة مع الفرائض وأفضل الرواتب الوتر وسنة الفجر وأيهما أفضل فيه قولان الجديد الصحيح الوتر أفضل والقديم أن سنة الفجر أفضل وقد ذكر المصنف دليلهما وحكى صاحب البيان والرافعي وجها أنهما سواء في الفضيلة فإذا قلنا بالجديد فالذي قطع به المصنف والجمهور أن سنة الفجر تلي الوتر في الفضيلة للاحاديث التى ذكرتها وفيه وجه حكاه الرافعى عن أبى اسحق المروزى أن صلاة الليل أفضل من سنة الفجر وهذا الوجه قوى ففى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل " وفى رواية لمسلم ايضا " الصلاة في جوف الليل " ثم أفضل الصلوات بعد الرواتب والتراويح الضحى ثم ما يتعلق بفعل كركعتي الطواف إذا لم نوجبهما وركعتي الاحرام وتحية المسجد ثم سنة الوضوء وأما قول المصنف وسنة الفجر مجمع علي كونها سنة فكذا يقوله أصحابنا وقد نقل القاضى عياض عن الحسن البصري أنه أوجبها للاحاديث وحكاه بعض أصحابنا عن بعض الحنفية والله أعلم * (فرع) في مسائل تتعلق بالسنن الراتبة (إحداها) قد سبق أنه إذا صلي اربعا قبل الظهر أو بعدها أو قبل العصر يستحب أن يكون بتسليمتين وتجوز بتسليمة بتشهد وبتشهدين فإذا صلي اربعا بتسليمتين ينوى بكل ركعتين ركعتين من سنة الظهر وإذا صلاها بتسليمة وتشهدين فقد سبق في باب صفة الصلاة خلاف في انه هل يسن قراءة السورة في الاخيرتين كالخلاف في الفريضة (الثانية) يستحب تخفيف سنة الفجر وقد
[ 27 ]
سبق في باب صفة الصلاة في فصل قراءة السورة أنه يسن أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة قولوا آمنا بالله وما أنزل الينا الآية وفى الثانية قل يا أهل الكتاب تعالوا الآية أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله احد وذكرنا هناك أحاديث صحيحة في هذا ومما يستدل به لا يستحب تخفيفها حديث عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلي الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتي انى لاقول هل قرأ بام الكتاب " رواه البخاري ومسلم وعنها قالت " كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر إذا سمع الاذان ويخففهما " رواه البخاري ومسلم (الثالثة) السنة ان يضطجع علي شقه الايمن بعد صلاة سنة الفجر ويصليها في اول الوقت ولا يترك الاضطجاع ما امكنه فان تعذر عليه فصل بينهما وبين الفريضة بكلام
[ 28 ]
ودليل تقديمها حديث عائشة السابق في المسألة قبلها ودليل الاضطجاع أحاديث صحيحة منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت " كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا صلي ركعتي الفجر اضطجع على شقه الايمن " رواه البخاري وعنها قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فذكرت صلاة الليل ثم قالت فإذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع علي شقه الايمن حتى يأتيه المؤذن للاقامة " رواه مسلم وعن ابى هريرة رضى الله عنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم " إذا صلي أحدكم الركعتين قبل الصبح فليضطجع علي يمينه فقال له مروان بن الحكم اما يجزى احدنا ممشاه إلى المسجد حتى يضطجع على يمينه قال لا " حديث صحيح رواه أبو داود باسناد صحيح علي شرط البخاري ومسلم ورواه الترمذي مختصرا عن ابى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا صلي أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه " قال الترمذي حديث حسن صحيح وعن عائشة رضى الله عنها قالت " كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فان كنت مستيقظة حدثنى والا اضطجع " رواه البخاري ومسلم وقولها حدثنى والا اضطجع يحتمل وجهين أحدهما أن يكون صلى الله عليه وسلم يضطجع يسيرا ويحدثها وإلا فيضطجع كثيرا والثانى أنه صلي الله عليه وسلم في بعض الاوقات القليلة كان
[ 29 ]يترك الاضطجاع بيانا لكونه ليس بواجب كما كان يترك كثيرا من المختارات في بعض الاوقات بيانا للجواز كالوضوء مرة مرة ونظائره ولا يلزم من هذا أن يكون الاضطجاع وتركه سواء ولابد من أحد هذين التأويلين للجمع بين هذه الرواية وروايات عائشة السابقة وحديث أبى هريرة المصرح بالامر بالاضطجاع والله أعلم وقد نقل القاضي عياض في شرح مسلم استحباب الاضطجاع بعد سنة الفجر عن الشافعي واصحابه ثم أنكره عليهم وقال قال مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة ليس هو سنة بل سموه بدعة واستدل بان أحاديث عائشة في بعضها الاضطجاع قبل ركعتي الفجر بعد صلاة الليل وفى بعضها بعد ركعتي الفجر وفى حديث ابن عباس قبل ركعتي الفجر فدل علي أنه لم يكن مقصوده وهذا الذى قاله مردود بحديث أبي هريرة الصريح في الامر بها وكونه صلي الله عليه وسلم اضطجع في بعض الاوقات أو أكثرها أو كلها بعد صلاة الليل لا يمنع أن يضطجع أيضا بعد ركعتي الفجر وقد صح اضطجاعه بعدهما وأمره به فتعين المصير إليه ويكون سنة وتركه يجوز جمعا بين الادلة وقال البيهقى في السنن الكبير أشار الشافعي إلي أن المراد بهذا الاضطجاع الفصل بين النافلة والفريضة فيحصل بالاضطجاع والتحدث أو التحول من ذلك المكان أو نحو ذلك ولا يتعين الاضطجاع هذا ما نقله البيهقي والمختار الاضطجاع لظاهر حديث ابي هريرة واما ما رواه البيهقي عن ابن عمر أنه قال هي بدعة فاسناده ضعيف ولانه نفى فوجب تقديم الاثبات عليه والله أعلم (الرابعة) يستحب عندنا وعند أكثر العلماء فعل السنن الراتبة في السفر لكنها في الحضر آكد وسنوضح المسألة بفروعها ودليلها ومذاهب العلماء فيها في باب صلاة المسافرين إن شاء الله تعالى ومما تقدم الاستدلال به حديث أبي قتادة رضي الله عنه الطويل المشتمل علي معجزات لرسول الله صلي الله عليه وسلم
No comments:
Post a Comment